حرائق الحديدة وقلق الجنوب السوري يزيدان من تعقيد مشهد أزمة إقليمية شاملة

> "الأيام" العرب اللندنية:

> ​راهنت الولايات المتحدة على تخويف إيران من التدخل المباشر، ومنعت الإسرائيليين من الدخول في حرب شاملة مع حزب الله، وتولت التصدي لاستهداف الحوثيين السفنَ التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن لمنع اندلاع أزمة إقليمية واسعة النطاق لطالما تخوفت منها بعد أن دخلت منطقة الشرق الأوسط منعطفا جديدا عقب تنفيذ حماس عملية “طوفان الأقصى” والرد الإسرائيلي المستمر عليها.

لكن ما لم يكن في حسبانها هو أن تتفكك سلطة الرئيس السوري بشار الأسد جنوب سوريا، وهو ما يعيد احتمال عودة الحرب الأهلية السورية لتنضاف إلى الأزمة بعد أن وصلت نيرانها الآن إلى اليمن إثر قصف إسرائيل للحديدة.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تكنّ ودّا لنظام الأسد فإن من الواضح أن النظام السوري يحاول النأي بنفسه عن مجريات الصراع بين إسرائيل من جهة وحماس وحلفاء إيران من الميليشيات الولائية في العراق واليمن وحزب الله في لبنان من جهة أخرى.

لكن المشهد كله يمكن أن يتغير إذا فقد الأسد السيطرة على جنوب سوريا كما حدث من قبل وتحولت موجة الاغتيالات والتصفيات المقابلة إلى حرب أهلية جديدة.

ولم يُضِعْ الحوثيون الكثير من الوقت في إطلاق تهديدات جديدة باستهداف إسرائيل، والعمل على استغلال الغضب الشعبي والإقليمي من الإسرائيليين. (تفاصيل ص3)

وقالت أكثر من دولة عربية خليجية قريبة من الغرب، مثل سلطنة عمان والكويت، إن استهداف الحديدة لن يزيد أزمات المنطقة إلا تعقيدا، في حين سعت السعودية للنأي بنفسها عن الهجوم وفي الوقت نفسه التأكيد على أنه تصعيد خطير.

لكن الخطر الحوثي يبدو أقل من مخاطر تجدد الحرب الأهلية في سوريا.

وتعيد الاضطرابات في مناطق جنوب سوريا عقارب الساعة إلى الوراء، أي إلى بداية اندلاع الثورة قبل أربع عشرة سنة، وقد يفرض ذلك وضعا تتحرك فيه الميليشيات الولائية الإيرانية إلى جنوب سوريا ما يزيد من مخاطر توجيه ضربات إسرائيلية إليها بشكل مباشر نظرا إلى قرب المنطقة من حدود إسرائيل.

وبينما كان الأسد وحليفته روسيا يتطلعان إلى أن يجسد الجنوب سوريا المستقرة بعد تطهيرها من المعارضين، أصبحت هذه المنطقة هي الأقل استقرارا من أي مكان في سوريا منذ 2018.

وبات مقاتلو المعارضة السابقون وغيرهم من الفصائل المسلحة المحلية في محافظتي درعا والسويداء الجنوبيتين أكثر جرأة خلال الأسابيع الأخيرة.

ووثقت “سوريا ويكلي” مقتل ما لا يقل عن 47 شخصا في محافظتي درعا والسويداء بين منتصف يونيو ومنتصف يوليو، مع تواصل الاغتيالات اليومية والكمائن والمداهمات وعمليات الخطف وإعدام الرهائن.

وتعدّ درعا على وجه الخصوص تجسيدا للانفلات الأمني والفوضى.

واختطف مقاتلون مسلحون (جلهم من المعارضة السابقة) ما لا يقل عن 25 ضابطا عسكريا سوريّا من منتصف يونيو إلى منتصف يوليو، انتقاما من اعتقال النظام للمدنيين من مناطقهم.

ونجحوا في استغلال الرهائن للضغط على النظام وإجباره على إطلاق سراح المعتقلين المدنيين. وبحسب مقال لتشارلز ليستر، الزميل الأقدم ومدير برنامجي سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، لم يحدث أن تعرض النظام لمثل هذا التحدي المستمر وأجبِر على الخضوع.

كما شرعت الفصائل المسلحة المحلية، التي كانت قد دخلت في مصالحة مع النظام، في شن هجمات مباشرة على نقاط التفتيش والمباني العسكرية التابعة لنظام الأسد انتقاما من الانتهاكات.

فعلى سبيل المثال عندما اعتقلت امرأة سورية من بلدة إنخل في درعا أثناء محاولتها تجديد جواز سفرها في دمشق في 10 يوليو، شن مقاتلو المعارضة السابقون في المنطقة هجمات منسقة على ثلاث نقاط تفتيش تابعة للنظام ومقر المخابرات المحلية. وعندما ردت قوات النظام بإطلاق النار واستعمال قذائف الهاون والمدفعية نصب المقاتلون المحليون كمينا لمركبة مدرعة وصلت لتعزيز القوات، ودمروها بالقذائف الصاروخية. وأُطلق سراح المرأة في وقت لاحق من ذلك اليوم.

ونظّم السكان المحليون في محافظة السويداء المجاورة أكثر من 330 يوما من الاحتجاجات المتتالية حتى الآن مطالبين بإسقاط الأسد.

وأقامت قوات النظام بشكل غير متوقع نقطة تفتيش أمنية جديدة عند المدخل الرئيسي لعاصمة المحافظة في 23 يونيو. فحشدت ستة فصائل محلية مسلحة على الأقل صفوفها في غضون ساعات، وشنت هجمات على مواقع النظام، وانخرطت في 48 ساعة من القتال العنيف الذي تطلب تعزيزات من دمشق.

واضطر النظام إلى التراجع بحلول 25 يونيو، ونقل نقطة التفتيش شديدة التحصين إلى موقع لا توجد فيه سلطة محلية. وكان هذا التحدي المباشر لسياسة النظام الأمنية لافتا للنظر، وخاصة بالنسبة إلى محافظة لم تقع أبدا تحت سيطرة المعارضة.

وبحسب مقال ليستر المنشور في “فورين بوليسي” لاقى هذا الحدث اهتماما إقليميا كبيرا سلّط الضوء على استسلام النظام. وأضاف “قد يفسر ذلك سبب اغتيال أحد أبرز قادة الجماعات المسلحة المناهضة للنظام في السويداء في منزله فجر يوم 17 يوليو، حيث قاد العديد من الهجمات المذكورة أعلاه”.

وأصيب مرهج الجرماني، الذي يلقب بـ”أبوغيث”، برصاصة في رأسه مرت عبر نافذة غرفة معيشته على يد قناص زود سلاحه بكاتم للصوت. وكانت زوجة أبوغيث في المنزل، لكنها لم تسمع الطلقة.

وخلال الفترة نفسها التي استمرت شهرا اختطفت الجماعات المحلية المسلحة في جنوب سوريا أربعة من عملاء مخابرات النظام المتهمين بمجموعة متنوعة من الانتهاكات، بما في ذلك القتل والتعذيب والجريمة المنظمة.

وتعرض عناصر المخابرات للتعذيب، وأجبروا على الاعتراف بجرائمهم أمام الكاميرا، ثم أعدموا. ونُشرت مقاطع فيديو اعترافاتهم محليا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. كما اغتيل لؤي العلي، اليد اليمنى لرئيس المخابرات العسكرية بدرعا، في قلب عاصمة المحافظة في 13 يوليو.

وورد أن الهدف، المعروف باسم “أبولقمان”، أشرف على ما يقرب من عقد من التعذيب في أكبر مركز احتجاز واستجواب في درعا.

وتقدم مثل هذه الأفكار لمحة عن الواقع الحقيقي لحكم النظام في السنة الرابعة عشرة من الأزمة السورية، حيث يبدو أن سلطة الأسد تنهار.

وفي الوقت نفسه يستمر فشل النظام في جهوده المتقطعة لتحدي عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ففي الشهر الماضي وحده قُتل ما لا يقل عن 69 من أفراد قوات الأمن التابعة للنظام في هجمات شبه يومية شنها داعش في الصحراء السورية خلال عملية تطهير أطلقها النظام واستمرت شهرا ضد التنظيم الجهادي.

وبالتزامن مع ذلك توفيت كبيرة مستشاري الأسد لونا الشبل يوم 3 يونيو في حادث سيارة غامض يعتقد البعض أنه كان عملية داخلية، في حين قتل العمود الفقري الأساسي لاقتصاد النظام، محمد براء قاطرجي، في غارة جوية إسرائيلية يوم 15 يوليو. وليست هذه القائمة كاملة.

ويرى ليستر أن صبر سكان جنوب سوريا قد نفد في مواجهة نظام مستعدّ لفعل أي شيء من أجل القضاء على المعارضة. إن الانتفاضة الشعبية في السويداء التي دامت ما يناهز السنة والتوجه الأخير الذي يتبعه المقاتلون المحليون لتحدي انتهاكات النظام وسياساته الأمنية لا يمكن اعتبارهما بأي حال مؤشّرا على حل الأزمة، بل هما مؤشر على استمرارها وتطورها وتصاعدها مرة أخرى.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى