«هآرتس» لقادة إسرائيل: اهزموا الحوثيين بقطعهم عن إيران

> كسانيا سفتلوفا:

>
​هجوم إسرائيل السبت في الحديدة وجه لبنى تحتية مهمة تخدم الحوثيين، مثل مخازن للنفط ومخازن للسلاح ومخازن للذخيرة. قبل سنتين، في آذار 2022، قام التحالف السعودي، الذي كان يحارب المتمردين في اليمن منذ العام 2015، بقصف مدينة الميناء الاستراتيجية رداً على مهاجمة الحوثيين في جدة.

هذا الهجوم أضر بالبنى التحتية النفطية، وقلب اقتصاد السعودية. ولكن الرياض عرفت بأنهم لن ينجحوا في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل بإسقاط نظام الحوثيين في أجزاء في اليمن، من أجل تمكين قوات معتدلة أكثر من إعادة السيطرة على الدولة الأكثر فقراً في العالم العربي.

بدأ الحوثيون كقبيلة شيعية – زيدية في شمال اليمن، التي عانى أبناؤها من الاضطهاد والتمييز لسنوات كثيرة. ولكنهم بالتدريج، راكموا القوة ووسعوا نفوذهم في مناطق واسعة في اليمن، على حساب قوى أخرى كانت لها علاقات مع دول الخليج. راقب السعوديون من كثب وفقدوا الهدوء. فقد عرفوا أن كل خططهم الطموحة، مثل عدم الاعتماد على أموال النفط وتطوير السياحة والعثور على مستقبل آخر، ترتبط بالاستقرار الإقليمي. وقبل أي شيء آخر، الاستقرار في منطقة الخليج.

في الهزة التي أحدثها الربيع العربي في بداية العقد السابق، صعد نجم الحوثيين، الذين نقشوا على رايتهم تعبيرات الكراهية مثل “الموت لأمريكا” و”الموت لإسرائيل” و”الخزي لليهود”، وقد حصلوا على احتضان دافئ ومتعاطف من إيران.

السعودية والإمارات راهنتا على الحكومة الرسمية في اليمن، التي تم تشكيلها من الأعداء السياسيين للحوثيين. ولكن عندما دخل الحوثيون بصرخات الفرح إلى العاصمة صنعاء وميناء الحديدة وسيطروا على الحكم هناك، في الرياض وفي أبو ظبي قرروا العمل.

منذ العام 2015 وحتى نهاية 2022 حارب تحالف برئاسة السعودية المتمردين الذين كانوا أضعف منه بكثير. العالم اتهم الرياض وحلفاءها بخرق حقوق الإنسان والتجويع الجماعي عندما حاولوا إغلاق ميناء الحديدة ووقف إرساليات السلاح من طهران. وقالت السعودية إنها تحارب بأيد مكبلة، في حين أن منتقديهم يتهمونهم باستراتيجية فاشلة وغياب تصميم.

لم يظهر معظم أرجاء العالم أي اهتمام بهذه الحرب، ولم يعرف الكثير عن تفاصيلها. في كانون الأول الماضي، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار آخر بين الطرفين، بعد أربع سنوات على انسحاب الإمارات من التحالف. ولكنها استمرت في تطوير قواعد القوة في جنوب اليمن، لا سيما في جزيرة سقطرى، بعد تسعة أشهر على توقيع السعودية وإيران على اتفاق للتعاون الاستراتيجي.

وقررت الرياض التنازل عن الهدف الرئيسي الذي يتمثل بهزيمة نظام الحوثيين وإعادة النظام الذي يؤيد السعودية إلى الحكم في صنعاء. وقد فعلوا ذلك لتحقيق الاستقرار والهدوء، وهي الأمور المطلوبة من أجل تطبيق البرنامج الطموح، “السعودية 2030″، من رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

لم يظهر معظم الإسرائيليين أي اهتمام بالحرب في اليمن حتى فترة متأخرة. ولكن هناك من أدرك الإمكانية التدميرية الكامنة للحركة المتطرفة التي تقف في مفترق طرق استراتيجي في البحر الأحمر. وتم بذل الجهود لكبح الحوثيين، وحتى إسقاط حكمهم، ولكنها جهود فشلت. ثمة تشابه بين الوضع في اليمن والوضع في قطاع غزة، الآخذ في التدهور منذ سيطرت حماس على الحكم في القطاع في 2007.

اليمن دولة سيادية منذ 1962، وقطاع غزة جزء من حكم ذاتي فلسطيني ومنطقة جغرافية ما زالت تناضل من أجل الاستقلال؛ القاسم المشترك بينهما هو سيطرة منظمات أصولية تؤيد أجندة أيديولوجية متطرفة وتحصل على دعم من دولة تمنح الرعاية لمنظمات إرهابية في أرجاء العالم، إيران.
  • لاعب مارق في دول فاشلة
خلال 17 سنة حاول العالم العربي إجراء مصالحة بين حماس وفتح، لكن بدون نجاح. وخلال 17 سنة حاولت إسرائيل التخلص من حماس (بشكل رسمي على الأقل) بطرق مختلفة، بدءاً بالحصار وحتى العمليات العسكرية. خلال 7 سنوات، حاولت السعودية القضاء على نظام الحوثيين في اليمن (في حين كانت تحظى بمساعدة عربية وأمريكية)، لكن بدون نجاح. والأمم المتحدة لم تدفع قدماً بتحقيق أهدافها، مثل إحلال السلام ووقف دائم لإطلاق النار، سواء في غزة أو اليمن.

يبدو أن العالم غير قادر على مواجهة لاعب “مارق” مثل حماس وحزب الله والحوثيين، الذين يسيطرون على مناطق جغرافية أو على دول فاشلة. بسبب شلل الأمم المتحدة، لا قدرة على اتخاذ قرارات جريئة حيوية لسحب السيطرة على مجموعات سكانية في هذه المناطق من يد هؤلاء اللاعبين الخبيثين، مثلما حدث في كمبوديا في بداية التسعينيات.

في حينه، أخذت قوة للأمم المتحدة السيطرة من يد اللاعبين المحليين، وشكلت حكومة مؤقتة لإدارة الشؤون السياسية والقانونية والاقتصادية في كمبوديا.

ربما كان هذا الحل المناسب أيضاً في دول أخرى ومناطق أخرى كانت فاشلة مثل الصومال ولبنان. الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بطرس غالي، كتب في بداية التسعينيات بأن النظام العالمي بدأ في تقديس مفهوم السيادة، بدون أي حاجة، حتى عندما كان واضحاً للجميع بأنه لا الدول والمجتمعات المدمرة تفقد القدرة على مواجهة التحديات الكثيرة وعزل الحكام الفاسدين ومنع استمرار الكارثة.

يعتبر اليمن مثالاً كلاسيكياً على الدولة الفاشلة. الحرب الأهلية سائدة فيه منذ سنوات كثيرة، تقريباً من اللحظة التي أعلن فيها عن استقلاله. حتى قبل صعود الحوثيين إلى سدة الحكم، كانت أجزاء واسعة فيه تسيطر فيها القاعدة ومنظمات جهادية أخرى. وكان لهذا دور في جعل الحوثيين الشيعة يحملون السلاح ويدافعون عن أنفسهم أمام صعود الإسلام السني الراديكالي.

في السابق، تدخلت مصر في اليمن من جهة، والسعودية من جهة أخرى. الآن القوة الأكثر هيمنة والتي تدفع الحوثيين للمواجهة مع إسرائيل هي إيران. خلال سنوات، كان اليمن “ثقباً أسود” في الشرق الأوسط، وقلائل اهتموا بما يحدث فيه. هذا إلى أن أصبح الحوثيون تهديداً بحجم إقليمي وحتى عالمي.

عانت إسرائيل من أعمال الحوثيين عشرة أشهر تقريباً، ومن الجيد أنها ردت على إطلاق المسيرة نحو تل أبيب. لكن قدرة إسرائيل وحدها لا تكفي لهزيمة الحوثيين. فهذه منظمة إرهابية تدعمها طهران، وتسيطر على سكان فقراء وجائعين، يعتمدون بصورة شبه مطلقة على المساعدات الإنسانية. لا يوجد في اليمن بنى تحتية كثيرة مثل التي تم ضربها السبت. وحتى لو تم تدمير ميناء الحديدة فسيكون للمجتمع الدولي بالتأكيد ما يقوله عن ذلك كما فعل إزاء عمليات قصف التحالف السعودي، إلا أنه مشكوك فيه أنها خطوة ستشل نشاطات الحوثيين لفترة طويلة بشكل كامل.

لهزيمة نظام رعب الحوثيين لا يجب هزيمته عسكرياً فحسب، بل قطعه أيضاً عن السفينة الأم، إيران، من خلال فرض الحصار البحري الوثيق وإيجاد بديل للنظام. وهذا لن يأتي بالضرورة من الساحة السياسية المتفككة في اليمن، بما يشبه الوضع في كمبوديا قبل ثلاثين سنة. وعندها سيكون بالإمكان توفير الأمن لمدن السعودية وإسرائيل، وحماية حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

لذا، المطلوب هو تحالف دولي يشمل إسرائيل ودولاً عربية أيضاً. من الواضح أن ذلك لن يحدث ما دام القتال مستمراً في غزة. ولن يكون الحل في القطاع بالضرورة محلياً، بل سيكون دولياً وإقليمياً أيضاً. كل من يسعى إلى “النصر المطلق” في جميع الساحات فعليه التركيز على التساوق مع اللاعبين الإقليميين والدوليين الرائدين، من أجل بلورة بنية هندسية إقليمية جديدة ومستقرة. هكذا يمكن التغلب على اللاعبين “المارقين” وعلى من تعطيهم الرعاية الكبيرة، إيران.

عن صحيفة "هآرتس"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى