​وادي زريقة اليمن تاريخ عريق وواقع مؤلم

> أ.عادل الزريقي :

>
يقع وادي زريقة اليمن أو غيل اليمن كما يطلق عليه البعض، في عزلة زريقة اليمن مديرية المقاطرة محافظة لحج، ويمتد من قرية السمين مرورا بقرية البرح، وقرى قعرور والشرق وحجير اليمن، والنمرية والنجلة وانتهاء بقرية الحجاج، بطول خمسة وعشرين كيلو متر تقريبا.

وإلى أواخر عقد السبعينيات من القرن العشرين كانت تجري فيه الغيول معظم أيام السنة، بالذات في أيام فصل الصيف، وتنبع عيون المياه النقية العذبة في أماكن متعددة من أجزائه وجوانبه، وكان المواطنون الساكنين على جانبيه يعتمدون عليها بإستخدامها كمياه للشرب، ضف إلى ذلك اعتمادهم على مياه الغيول التي تغذيها تلك العيون، في زراعة النخيل وإنتاج التمور، والكراث والطماطم والبسباس، والبصل والحبوب بأنواعها المختلفة، والليمون والفجل والجزر والبطاط الاحمر، والموز والجوافة، وفاكهة المانجو التي دخلت حديثا.


 كانت هذه المنتجات الزراعية تغطي احتياجات السكان القاطنون على ضفتي الوادي والعزل والقرى القريبة منه، بل ويتم تلبية الإحتياجات من هذه المنتجات الزراعية لسكان القرى الواقعة ضمن الإطار الجغرافي لعزلة زريقة اليمن البالغ تعداد سكانها  حسب التعداد السكاني لعام 2004م خمسة عشر الف نسمة، وبعض قرى عزلة زريقة الشام، كقرية إقيان وقرية عبل والقرى المنضوية ضمن وادي إقيان وقرى الحيار والنبة والسحة، وأجزاء كبيرة  من عزل المقاطرة الغربية، مثل قرى عزلة  النجيشة، والهويشة والزعيمة وقرية العقرة والمصعد والمنزل وقرى وادي اديم، وغيرها من القرى المجاورة لهذه القرى التي لا تسعفني الذاكرة لذكرها، وبعض قرى مديرية الشمايتين من محافظة تعز، المتاخمة لمديرية المقاطرة، كقرى وادي الصحى وقرية النقيل وقرية حالزة والزين والمياح والقريشة، سواء عن طريق عرضها للبيع بصورة أسبوعية في سوق الثلاثاء، الذي كان يرتاده المواطنون بشكل أسبوعي، لشراء احتياجاتهم، أو عن طريق توزيعها بالحمير لهذه القرى، بخلاف فاكهة التمور التي توزع على نطاق أوسع وإلى اليوم، ولكن بكميات اقل مما كانت عليه في الماضي، بعرضها للبيع في أسواق مدينة التربة وعزلة القريشة والحضارم  محافظة تعز ، التي يتسابق على شرائها المواطنون، لجودتها العالية ولمذاقها الحلو ، ولخلوها من أي محسنات كيميائية ولإنخفاض ثمنها مقارنة بالتمور الاخرى.


ضف إلى ذلك أن السكان القاطنون على ضفتي الوادي، كانوا يهتمون إلى درجة كبيرة بتربية الحيوانات، وصناعة الحرف اليدوية كالعزف والمهاجن والفرشان وادوات التنظيف (المكانس) والكوافي التي تقي النساء عند العمل من حرارة الشمس والتي تنسج يدويا من سعف النخيل، وكان حينها سوق الثلاثاء الاسبوعي الواقع في وسط الوادي يزدحم بالكثير من العجول والتيوس والكباش  والدجاج وغيرها من الحيوانات ومنتجاتها كالبيض والسمن البلدي ، والحبوب ومنتجات مختلف الصناعات اليدوية لاسيما أيام الصراب (موسم حصاد الحبوب)، وكان ملتقى للكثير من القماطين (المتاجرون بالمواشي ولحومها)  الذين يتوافدون إلى المكان المحدد  للسوق  من مختلف المناطق القريبة والبعيدة ، لشراء الحيوانات، لرخصها ولجودتها ، ويرجع سبب ذلك لتوفر المساحات الزراعية على جانبي الوادي التي تزرع فيها  الأعلاف التي تتغذى منها الحيوانات وتصنع منها تلك المنتجات .

ضف إلى ذلك أن هذا الوادي كان وجهة سياحية ومتنفس للكثير من المواطنين بالذات خلال ايام الاعياد والمناسبات الذين يأتون إليه من مناطق وقرى مديرية المقاطرة ومديريات محافظة تعز كالشمايتين والمواسط والمعافر وطور الباحة ومديرية المضاربة  ورأس العارة من محافظة لحج، كما إنه يعتبر والى اليوم ولكن بشكل منخفض وجهة  لملاك النحل ومنتجي العسل الذين يعتبرونه ملاذا لهم في ايام الجفاف في المناطق الاخرى لتغذية النحل  وذلك بفضل ما تتمتع به اشجاره من إخضرار طيلة ايام السنة مثل اشجار السدر والعسق والقرض وغيرها  .

جزء كبير مماسبق ذكره يعتبر من سجل التاريخ الذهبي الغابر  لهذا الوادي العريق، ومن وحي الذكريات الجميلة له، التي لازالت عالقة في عقول الكثير من الناس إلى اليوم.
 الذي أبدع الخالق في صنعه ، وبذل الآباء والأجداد قصارى جهودهم ، في بناء الجدران وإقامة المساند من أجل الحفاظ على التربة من الإنجراف جراء السيول، وزراعة مختلف الأشجار ورعايتها وتربيتها.

أما حاليا رغم إستمرار جريان المياه في بعض أجزاء الوادي، لكن أكثر المواطنين فضلوا الغربة عن الاستقرار والعمل في الزراعة، خصوصا وأن السيول قد جرفت جزء كبير من الأراضي الزراعية ، واجتثت أعداد كثيرة من أشجار النخيل وكادت أن تقضي على ماتبقى، ولم يعد الحال كما كان عليه في الماضي.

فالإنسان المعاصر لجزء من الماضي الذهبي لهذا الوادي ولحال وواقع الوادي الأليم اليوم، حينما يمر  اليوم فيه سواء للسفر أو للسياحة والتنزه، بالتأكيد تحصل لديه المقارنة بين عصرين متناقضين، الشق الأول من المقارنة يتمثل بعظمة وقدرة الآباء والأجداد، الذين استطاعوا رغم قلة عددهم وإنعدام الإمكانيات والتقنيات الحديثة، أن يحافظوا على التربة الزراعية من إنجرافات السيول وزراعة النخيل، ورعايتها وحمايتها وهي صغيرة من السيول ، كما أنه تثار عدة تساؤلات في عقل المرء حول ذلك  من ضمن تلك الأسئلة، كيف تمكن تلكم الناس من رعاية وحماية أشجار النخيل وهي صغيرة وضعيفة من السيول رغم إنعدام الإمكانيات حينذاك ، ولماذا نحن عجزنا من حمايتها وهي كبيرة وقوية مع وجود الامكانيات ؟! وماهي القدرات الخارقة التي كانوا يتسمون بها ؟!  هل أن السيول التي تمر اليوم في الوادي وتجتث النخيل رغم ضخامتها وقوتها وبعدها عن وسط الوادي  كانت لا تمر في هذا الوادي كما هو عليه الحال الآن؟!  أم أن الأمر غير ذلك ؟!.


كذلك يحس المرء بالحزن والأسى حين يرى بين لحظة وأخرى، نخلة على يمينه وأخرى على يساره  طريحة على الارض من أثر السيول، شاهدة بذلك الحال المزري على أصالة الآباء وكفاءتهم وإهمال الأبناء ولامبالاتهم.

وفي الأيام الأخيرة لم تكن هي العوامل الطبيعية كجرف السيول للتربة الزراعية واقتلاع أشجار النخيل هي  الوحيدة من ساهمت في القضاء على التربة والاشجار، بل هناك كما نسمع ونقرأ ونرى بأعيننا  أيادي إنسانية عابثة  أعلنت إنظمامها إلى تلك العوامل، بالقيام بتدمير المدمر وتخريب المخرب بإحداث حفريات في وسط وجوانب الوادي للحصول على مادتي النيس والكري وبيعها لاصحاب الناقلات الذين يقومون ببيعها  بعد ذلك في مدينة التربة ، وقرى القريشة والحضارم والاصابح والعزاعز وغيرها من المناطق، محدثة بذلك أضرار كبيرة على أراضي المواطنين وعلى الاشجار عند مرور السيول، ناهيكم إلى إعاقة طريق المواصلات، خصوصا وأن الوادي ليس كالأودية الأخرى من حيث الإتساع  فالمسافة بين الجبال المحيطة به قصيرة وبالتالي تكون الأضرار الناتجة عن تلك الحفريات كبيرة، وإلى حد اللحظة لم يجد أولئك العابثون  من يردعهم أو يضع حدا للمهزلة التي يقومون بها، ومن يعترضهم أو يحاول أن يمنعهم من المواطنين يهددونه بالسلاح أو يوقفونه باللقافة وبذاءة الكلام.


وعلى إثر ذلك نطالب من  الجهات المختصة بمديرية المقاطرة ومحافظة لحج ، بتوقيف ذلكم الناس الذين يقومون بإجراء الحفريات بالوادي لوقف المزيد من الآثار السلبية التي تحدثها السيول سواء على التربة أو على الأشجار من نخيل وغيرها.

وأن تقوم هذه الجهات بلفت إنتباه المنظمات والجهات المانحة لهذا الوادي لدفعها للتدخل كإقامة المساند أو الجدران التي تحافظ على ماتبقى من تربة زراعية على جنبات الوادي.
ودعم المزارع بالبذور وتقديم العون والمساعدة له في مختلف الجوانب من أجل إعادة بناء بعض المدرجات التي تهدمت، وتفعيل دور مكتب الإرشاد الزراعي ودعمه بالمواد والموظفين المختصين حتى يعود جزء من المجد لهذا الوادي.       


في الاخير لا يسعني إلا أن أذكر بقول الشاعر: ويل لشعب يأكل مما لا يزرع ويلبس مما لا يصنع، ونضيف إلى هذه البيت الشعرية، ويل لنا كشعب يمني نهمل ارضنا الزراعية فبعضها  تنجرف تربتها وتصبح عبارة عن مساحات  قاحلة والبعض الاخرى نزرعها بشجرة القات الملعونة او نبني عليها مبان تجارية وسكنية رغم توافر فيها نعمة عظيمة وهي الماء الذي جعل منه الله سبحانه وتعالى كل شيء حي ومصدر واساس كل النعم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى