ما خلفيات دعوة إيران ولي العهد السعودي إلى زيارتها؟

> «الأيام» مصطفى الأنصاري:

> جدد الرئيس الإيراني المنتخب حديثًا مسعود بزشكيان توجيه رسائل الطمأنة إلى العالم الخارجي على الرغم من التصعيد الذي يشهده الإقليم، إلا أن اللافت كان دعوته ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى زيارة بلاده، واستعداده القيام بخطوات مماثلة لسلفه إبراهيم رئيسي بزيارة الرياض أيضًا لتوطيد العلاقة السياسية بقيادتها.

جاء ذلك في المؤتمر الصحافي الأول الذي يعقده منذ انتخابه في يوليو الماضي، مشيرًا إلى أن الفترة المقبلة يمكن أن تشهد تبادلا للزيارات بين طهران والرياض.

وفي اتصال هاتفي مع المحلل السياسي الإيراني القريب من النظام محمد صالح صدقيان قال لـ"إندبندنت عربية" إنه لمس من الرئيس بزشكيان ترجمة خطابه أثناء الحملة الانتخابية إلى واقع ملموس، فهو "يريد فتح صفحة جديدة مع كل دول المنطقة ولاسيما السعودية"، بل لفت إلى أنه تجاوز دول الجوار إلى أميركا التي وصفها بـ"الصديقة" التي لا يريد العداوة معها، في تحول رآه صدقيان غير عادي في أوساط السياسيين الإيرانيين.

وحول الخطوة التي يرى أنها قد تكون ضرورية للبناء على مرحلة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي لتطوير العلاقة مع السعودية، أكد المحلل الإيراني أنها "بناء الثقة، فقد رأينا رغبة جامحة من رئيسي في دعم العلاقة ورأينا إعادتها، في تقديري أن بزشكيان يمتلك رغبة مماثلة، خصوصًا أن قرار ترطيب العلاقة مع السعودية قرار قيادة إيران وليس الحكومة، والأرضية متوفرة أكثر من ذي قبل".
  • المتفق عليه أولًا
ويعتبر أن أسرع خطوة لذلك هي "البدء بالمتفق عليه وتأجيل الملفات المختلف عليها، فكلنا يعرف أن لكل من الدولتين رؤيته الخاصة في تعريف الأمن الإقليمي". وفي هذا الصدد قال في تصريحاته إلى "إندبندنت عربية" في أعقاب مؤتمر بزشكيان في طهران الذي حضره إن "الفترات القصيرة التي ازدهرت فيها العلاقة بين البلدين تعلمنا أن بوسعهما فعل الكثير لأنفسهما وشعوب المنطقة إذا كانا مجتمعين، بما في ذلك حرب غزة الحالية، بما تملك السعودية من علاقات دولية وثيقة، وإيران من اتصالات مهمة في الإقليم"، في إشارة إلى دول محور ما تسميه طهران "المقاومة" في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن.

وفي سبيل ذلك يضيف "الرئيس قال إنه وجه دعوة لولي العهد السعودي حين اتصل به مهنئًا بعد انتخابه لزيارة طهران والأمير رحب بذلك، وأما هو (بزشكيان) إذا وجهت له أي دعوة لزيارة المملكة فإن تصوري أنه لن يتردد في الاستجابة".

تُعد العلاقات بين إيران والسعودية محورية في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، حيث تسعى كلتا الدولتين وفق تصريحات زعمائهما إلى تحقيق استقرار المنطقة وتعزيز مصالحها الاقتصادية.

ويرى مركز "رصانة" للدراسة الإيرانية أن إيران مستفيدة من تحسين العلاقات مع السعودية من خلال زيادة التجارة والتعاون الاقتصادي، وكذلك تخفيف العزلة الدولية التي تواجهها بسبب العقوبات، إذ "يمكن أن يؤدي التقارب بين البلدين إلى فتح قنوات جديدة للحوار والتعاون في قضايا مثل الأمن الإقليمي والطاقة، وهو ما قد يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة".

ومع المكاسب التي يجنيها الإقليم والدولتان من تطوير علاقاتهما التي استعاداها بوساطة الصين في مارس 2023 إلا أن طهران ظلت تستعجل تقدمها إلى آفاق أبعد، فيما يعتقد أنه يعود إلى الضغوط الداخلية والدولية التي تواجهها، فيما بقيت الرياض أكثر تحفظًا، إذ لم ترفع على سبيل المثال حتى الآن حظر سفر مواطنيها إلى إيران، في سياق يتردد أنه يعود إلى مراقبة سلوك إيران أكثر من أقوالها على صعيد القضايا المتفق على تسويتها في بكين.
  • تجاوز امتحان حرب غزة
ونجحت علاقة البلدين حتى الآن بعد استئنافها في الصمود أمام تحديات كبيرة، مثل حرب غزة وتهديد الحوثي الملاحة في البحر الأحمر، ناهيك عن مصرع الرئيس الإيراني السابق ووزير خارجيته المفاجئ.

ويشير معهد الدراسات الإيرانية في الرياض إلى أن ذلك يعود إلى أن " سياسة المملكة الجديدة قادت إلى مقارنة مُحرِجة للنظام الإيراني، على صعيد المكانة الاقتصادية، وتعزيز الهوية الوطنية، وصناعة السلام الإقليمي، إذ تعزِّز المبادرات الاقتصادية للسعودية مكانتها، وتمنحها نفوذًا إقليميًّا ودوليًّا، بينما تقود سياسات النظام الإيراني البلاد في إيران إلى العُزلة والعقوبات والاضطرابات الداخلية. فبينما كانت إيران تواجه عُزلة دولية وعقوبات وضغوطًا قصوى، كان المجتمع الدولي مستعدًّا لقبول المملكة ضمن «مجموعة العشرين»، حتى باتت النُّخَب والجماهير في إيران تنظُر إلى السياسة السعودية على أنَّها رائدة، وأنَّها نجحت في توطين التحديث والتطوُّر".
  • مقارنات محرجة ولغة حادة
ولفت إلى أن ذلك ظهر على سبيل المثال في المقارنة بين تعاطي حكومتي البلدين مع أزمة كورونا، وما تركته من أثر كارثي داخل إيران، في حين نالت المملكة إشادة دولية في التعامل مع الأزمة. وكذلك على مستوى الشراكات والتحالفات الدولية، إذ تتحرَّك إيران في إطار ما يمكن تسميته بـ«تحالف الضعفاء»، فيما أصبحت المملكة قِبلة ومركزًا نشِطًا للسياسات الإقليمية والدولية، وفاعلًا مؤثِّرًا في السياسات العالمية، حتى إنَّها باتت تخصم من رصيد طهران لدى بعض حلفائها، كالصين وروسيا، اللتين باتتا تتبنّيان بعض وجهات نظر السعودية ودول الخليج في بعض القضايا الخلافية الحسّاسة مع إيران.
  • الهدف التغطية على عدم الانتقام لـ "هنية"
من جهته، اعتبر المحلل السياسي السعودي أحمد الميموني أن الدعوة الإيرانية لزيارة الأمير محمد بن سلمان لها جاءت في "إطار وضع الحكومة الجديدة على خريطة التواصل مع العالم الخارجي"، إلا أنه رأى أنها "لم تصل حتى الآن إلى عقد اتفاقات ذات مغزى، بل هو مسعى إلى محاولة إثبات وعود الرئيس الجديد للمرشد باتباع سياسة نهج سلفه، ومحاولة النشاط في الجوار حتى يحين الوقت للتواصل مع الجانب الغربي بعد الانتخابات الأميركية".

ويعتقد لدى حديثه مع "إندبندنت عربية" أن إيران مدركة أن تحقيق أي نجاحات اقتصادية "مرهون برفع العقوبات، وذلك مرهون أيضًا بالتفاهم مع الجانب الأميركي، ويبدو ذلك غير ممكن قبل وضوح من سيتربع في البيت الأبيض"، ولذلك فإن التحرك في فضاء دول الجوار الذي بدأ بالعراق هو في نظر الميموني "محاولة لتحريك الآلة الإعلامية الإيرانية وصرف الانتباه عن الوضع الاقتصادي المتدهور، وكذلك صرف النظر عما يطالب به الإيرانيون ومحور المقاومة من رد فعل على حادثة اختراق السيادة الإيرانية واستهداف إسماعيل هنية".

ورجح الميموني، وهو لواء سعودي متخصص في الشأن الإيراني، أن الحكومة السعودية "لن تنساق إلى الحسابات الإيرانية، فهي كما تعلن دائمًا ترغب في بناء علاقات مبنية على الوضوح والشفافية، ويجب أن يقابله من الطرف الآخر رفع معيار الالتزام والثقة، وقد سبق أن قُدمت دعوة للرئيس الراحل، لكن الجانب الإيراني دائمًا ما يبدأ في التردد وعدم انتهاز الفرص، وقد بادرت السعودية بإرسال وزير الخارجية لتشجيع إيران ورفع الحرج عنها في اتخاذ الخطوة الأولى".

ويشير إلى أن الخطوة التي كان بوسع بزشكيان أن يبرهن بها على مضيه في بناء الثقة بين البلدين أكثر، هي أن "يعطي زيارة السعودية الأولوية، ولكن الحسابات الإيرانية يحكمها منطق مختلف".

وكان مجلس التعاون الخليجي في آخر اجتماع لوزراء خارجيته هذا الأسبوع في الرياض هنأ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية متمنيًا له وللشعب الإيراني التوفيق والتقدم والنماء، مؤكدًا أنه لم يزل متمسكًا بمواقفه وقراراته الثابتة بشأن العلاقات مع إيران. ودعاها إلى ضرورة التزامها "بالأسس والمبادئ الأساسية المبنية على ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي، ومبادئ حُسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، ونبذ الطائفية".

لكن المجلس أعقب ذلك بانتقادات حادة لطهران، سريعًا ما ردت عليها الأخيرة بأنها "غير مجدية"، ولا سيما تلك المتعلقة بحقل "الدرة"، واحتلال الجزر الإماراتية في الخليج.

"إندبندنت عربية"

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى