عمل المنظمات بعدن والمحافظات الجنوبية.. كذب بالمليارات على المانحين (1 - 2)

> عدن "الأيام" قسم التحقيقات:

>
  • 45 سنتا من كل دولار تصرفه الأمم المتحدة لصالح مصروفات إدارية
  • أهدرت المنظمات المليارات دون أن تحقق استدامة لليمن من أي نوع
  • نفقاتها التشغيلية عالية مقارنة مع ما تقدمه من مشاريع على الواقع
  • غياب تام للرقابة والمحاسبة في عمل المنظمات
  • سرقة المساعدات الإغاثية وبيعها في الأسواق بالتواطؤ مع المتعاقدين المحليين
بعد حرب 2015م تكاثرت وتنوعت المنظمات التي تعمل في اليمن، ومع تزايد أعدادها فرضت تساؤلات حول جدواها وما قدمته فعليا للبلاد.

هذا التقرير يركز على أداء عمل المنظمات وما يشوب عملها من غموض في مختلف أنشطتها ومشاريعها، وكذا التأكد من معايير أدائها ومدى التزامها بنظم وقوانين البلاد، ولماذا تصر المنظمات على عدم الشفافية والإفصاح عن تقاريرها المالية والفنية المتعلقة بنشاطاتها في اليمن، كما تفعل في بقية دول العالم.

وما إذا كان لدى هذه المنظمات تصاريح عمل لمزاولة أنشطتها صادرة من الجهات الحكومية؟، وهل لدى الجانب الحكومي قاعدة بيانات ومعلومات متكاملة لجميع المنظمات المسجلة ومشاريعها المنفذة؟.

كثير من المنظمات جعلت من حرب اليمن منصة في المحافل الدولية للمتاجرة بمأساة البلاد لدى الدول المانحة حتى تعطي لها المزيد من التمويلات من المانحين لترويج مشاريعها بصورة مضخمة وغير حقيقية لما يجري على الأرض من أعمال إغاثية طارئة ومشاريع تنموية ومشاريع التمكين الاقتصادي. وهذا ما أكده المراقبون عند مقارنتهم لما قدمته تلك المنظمات لليمن وحجم الموازنات المتزايدة التي تحصلوا عليها من المانحين، والتي تقدر بأكثر من عشرين مليار دولار، في حين أنه لم تتحقق أي تنمية مستدامة في ظل تلاشي أي أثر لتلك المليارات.

وحول موارد خطة الاستجابة الإنسانية وكيفية صرفها وصولا إلى المستهدفين الحقيقيين، كشف خالد اليماني، وزير خارجية اليمن السابق، لصحيفة "اندبندت عربية" بقوله: "إن ما بين 40 - 45 سنتا من كل دولار تصرفه الأمم المتحدة في اليمن وفي أي مكان آخر، يذهب لصالح مصروفات إدارية في كل المستويات الدولية وصولا إلى المتعاقدين المحليين".

هناك حالة من عدم الرضا من المواطنين الذين يستلمون مساعدات غذائية من المنظمات حيث يشكو المستفيدون الذين يستلمون حصة المساعدات التموينية من المواد الغذائية بأن نوعيتها رديئة وغير جيدة ولا تصلح للاستهلاك الأدمي، وبعضهم يؤكدون أنها منتهية الصلاحية.
وقد أظهرت العديد من المنظمات المحلية "الجمعيات الخاصة" التي تتبع لأفراد ومسؤولين يسعون لاستغلال اتفاقيات الشراكة مع تلك المنظمات الدولية لخدمة أهدافهم واغراضهم الشخصية مما جعل بعض المنظمات أشبه بـ "الدكاكين" هدفها الأساسي هو الربح المادي من خلال علاقة أفرادها بجهات داعمة والاستحواذ على المشاريع، وبذلك تحول العديد منها إلى منظمات ربحية وحزبية وسياسية فاقدة لأبسط مفاهيم العمل الإنساني التطوعي.

انتقد عدد من المسؤولين في المحافظات الجنوبية عمل المنظمات لتركيزها على إقامة الورش وليس المشاريع قائلين: "بأن هناك المئات من المنظمات تعمل لكن لم يكن لها أي دور في البناء والتنمية سوى الدورات والورش قصيرة المدى لغرض صرف أموال لا غير، ولم يستفد منها في إصلاح سد أو استكمال مشروع كهرباء أو توصيل مياه الشرب في أي مديرية".

كما توجد تقارير نشرتها كثير من وسائل الإعلام منها صادرة من جهات حكومية تفيد بوجود أعداد كثيرة من المنظمات تعمل خارج الإطار التنسيقي مع مكاتب التخطيط أو على مستوى السلطات المحلية في المحافظات، وكثير من المنظمات لا تخضع لعملية المراقبة والتحليل والتقييم والمساءلة إذا تطلب الأمر.

وعن دور المنظمات وما تقدمه للمواطنين يتحدث مواطنون منهم نازحون بأن دورها تجاههم "سيء وغير فاعل وأنهم يستهلكون معاناتهم إعلاميا دون مد يد المساعدة كما يشكون من غياب دور الجهات الرسمية"
وهناك العديد المنظمات تستخدم أساليب لكسب ثقة المانحين عن طريق بعض المشاريع التي ظاهرها تنموي وجوهرها خاوي وسطحي، حيث تقدم الدول المانحة للمنظمات أموال بأرقام كبيرة جدا بينما النتاج في الواقع هو دون القليل، فيتم التلاعب على سبيل المثال بتواقيع محاضر عقد الدورات وتسلمها بأيام أكثر من الأيام الفعلية، وكذا بدل المواصلات يتم تسليمها للمندوبين بأقل من المبالغ المسجلة في ملفات تصفية العهد ناهيك عن التلاعب في بنود مستلزمات سلعية وخدمية أخرى بتقديم فواتير صورية وغير حقيقية لها، كما تقوم بعض المنظمات بالتحايل على موظفيها باستقطاع جزء من رواتبهم يمثل مجموع تلك الأجزاء "راتب اكرامية" ولان الدول المانحة تشترط على المنظمات عند عقد الدورات التدريبية ان يكتمل النصاب بـ (20) متدربا، فأن نقص العدد (4 أو 5) منهم تقوم بعض المنظمات بتعويضهم بأفراد ليس لهم علاقة بالدورة من أجل اكتمال النصاب، وكوسيلة تقوم بها بعض المنظمات لتقليل وإنقاص تكاليف الرواتب فأنها تحرص على عدم التعاقد مع أي موظف لمدة تزيد عن 6 أشهر ومن ثم يقومون بإنهاء خدماته واستجلاب موظف آخر بديل حتى لا يطالب الموظف الأول بحقوق وزيادة في الراتب، كما تقوم بعض مراكز الإيواء التابعة للمنظمات قبل التبرعات بإفراغ مخازنها من المواد الغذائية التي سبق وأن تم تقديمها من التجار وذلك ببيعها والتكسب من ورائها ومن ثم جلب تبرعات جديدة بحجة نفاذ الكميات السابقة من تلك المواد الغذائية في عملية تواطؤ بين المنظمات وأفراد في جهات حكومية رسمية متنفذة تربطها مصالح مع إدارات تلك المراكز.

وهذا ما تؤكده التقارير المحايدة حول سرقة المساعدات الإغاثية التابعة لبرنامج الغذاء العالمي وبيعها في الأسواق بالتواطؤ مع المتعاقدين المحليين، وعلى سبيل المثال كثير من المواطنين الذين ينتمون للمحافظات المحررة يشكون من عدم اعتمادهم في كشوفات الإعانات الشهرية من المساعدات النقدية المقدمة من برنامج الغذاء العالمي كبقية المستفيدين الذين يستلمونها عبر مراكز معتمدة، بينما آخرون ممن يستلمونها يشكون بعدم انتظامها وتأتي منقوصة للفرد الواحد.

وأغلب المنظمات تقوم على إرغام العامل معها على التوقيع بمبلغ أجرة عمل بـ "800" دولار بينما يمنح مبلغ "300" دولار ومن يعترض تقوم المنظمة بتهديده أو فصله، كما تقوم بعض المنظمات بتكليف العامل بالإدارة والإشراف على ثلاثة مشاريع، فيما تقوم المنظمة بمنحه مبلغ مشروع واحد فقط.

كما تعمد الكثير من المنظمات على تقييد اسمها في السجلات الحكومية لغرض الحصول على تراخيص فقط لتغطية أنشطتها الحقيقية يكون الغرض منها الاستيلاء على الجزء الأكبر من قيمة تلك المشاريع لإيداعها في حساباتها الخاصة وكذا البحث عن دعم لبعض المشاريع بهدف التكسب من ورائها.

كما أن الكثير من المنظمات تقوم بتنفيذ مشاريع ليست من ضمن اختصاصاتها وأهدافها التي أنشئت من أجلها، كما أن بعضها غير تخصصية تعمل في كل المجالات وكل التخصصات مما يغلب عليها طابع العشوائية.

كفاءة الإدارات الرسمية المتخصصة

تشير التقارير إلى أن كفاءة المؤسسات الرسمية المتخصصة الذي من المفترض أن تشرف على تتفيذ هذه المشاريع وتهميش دورها أدى إلى تغيير عميق في الدور المؤسسي، وأعطى الفرصة للمنظمات لممارسة دور إقصائي لها، مما يستدعي وبشكل فوري إلى إعادة النظر في تنظيم دورها وآليات تشغيلها بما يواكب التغييرات على الساحة لضبط اختلالات تنفيذ وتصميم المشاريع الممولة من الأمم المتحدة وغيرها من الدول المانحة وتشير المعلومات والتقارير إلى أن الوحدات الرسمية المشرفة على مشاريع المنظمات في عدن والمحافظات المحررة فقدت نفوذها على حساب النفوذ الشخصي لبعض المسؤولين، وبالتالي يبقى تبرير وجودها بهذا المستوى الضعيف من الأداء محل شك، ولفهم الحالة بشكل أكبر قامت "الأيام" باتصالات ومقابلات استقصائية ومراجعة تقارير ذات الصلة لفهم مكامن الخلل، ليتبين أن الجانب المؤسسي أحد الأسباب الرئيسية، حيث تتقاسم بعض الوزارات والهيئات الرسمية الإشراف ورقابة تنفيذ المشاريع والأنشطة بشكل غير منظم، مع استحواذ وانفراد بعض الدوائر في صناعة القرار على حساب كيانات رسمية موازية وتهميش دورها التخصصي ليصبح عملهم في الهامش، ولا يؤثر في تحديد مصير هذه المشاريع. وعلى سبيل المثال فقدت وزارة الزراعة دورها المحوري ومسؤوليتها في إدارة وتقييم ومتابعة تنفيذ المشاريع ذات الصلة بمهام واختصاص الوزارة، عبر كوادرها المتخصصة المدعومة من المنظمات الدولية لصالح جهات في وزارات أخرى غير متخصصة، مما شجع المنظمات الدولية في الاستمرار من تنفيذ مشاريع غير مناسبة،  وهمية النتائج ولا ترتقي إلى حجم الاحتياج لتعود بالفائدة للمجتمع وهكذا يتم حرق الميزانيات والمنح الدولية وتبديد للموارد.

كما ذهبت بعض المنظمات لاعتماد مشاريعها المنفذة في المحافظات الجنوبية في صنعاء بناءً على دراسات أو مشاريع تم تنفيذها هناك ولا تتطابق مع الاحتياج والبيـئة في المحافظات الجنوبية، نظرا لعوامل كثيرة وأهمها اختلاف الطقس ومصادر الري. ولهذا بغياب الدور الأساسي للوزارات والوحدات الرسمية المشرفة على هذه المشاريع يغيب طابع الاستدامة والإدارة المثالية للموارد.

يتساءل الكثير عن الكم الكبير للوحات افتتاح مشاريع المنظمات على جوانب الطرقات وعن الجدوى من هذه المشاريع الذي في الغالب ينتهي أثرها بانتهاء تنفيذها ولهذا لن يستقيم الحال في استمرار الوضع الراهن فقد تكيفت الجهات الحكومية على هذا الوضع الانبطاحي، ولن تتغير إلا بقرارات شجاعة تشمل إعادة تنظيم دور الوزارات ودوائرها المتخصصة، وتوزيع المهام وتحسين استخدام للموارد ونقل مسؤولية رسم وتخطيط المشاريع وتحديث السياسات إلى كنف الدولة وتفعيل جانب المساءلة من خلال أدوات قياس الأداء للمؤسسات الرسمية. أما دور المنظمات في هذا الجانب واضح للجميع، فقدرات المؤسسات الرسمية بات مشلولا وكوادرها المتخصصة تم استقطابها لتعمل خارج جسم الدولة، فجهودهم خارج الدوائر المؤسسية الرسمية كالهشيم، ولا طائل منه غير تبرير لإحراق المنح الدولية المقررة للشعب. وهنا يتساءل الكثير من أفراد المجتمع، أصحاب الحق والمصلحة من هذه المساعدات الدولية عن غياب الدور الفعَّال لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، كونها الجهة المسؤولة الأولى عن تنظيم وتوجيه مخصصات التمويل والذي تنفذه المنظمات عبر مشاريع متنوعة، وهل يتم مراجعة ورقابة تنفيذ هذه المشاريع وأماكن استهدافها الذي لطالما تكررت وتكدست في مناطق معينة بينما تترك الكثير من مناطق الاحتياج تصارع قدرها. هل تقوم الوزارة بطلب التصفيات لميزانيات المشاريع المنفذة مسنودة بالوثائق المالية لكل مشروع تم تنفيذه كما كان يتم في السابق وتعزيز مبدأ الشفافية أم أن الوزارة مازالت لم تستوعب حجم مسؤوليتها بعد، فاستطاعت المنظمات تجاوزها مستغلة عدم التمكين لمثل هذه المؤسسات السيادية أم أن هناك أجندات وأبعاد لا ندركها فما وراء الأكمة ما وراءها.

مشاريع جاهزة لا تتناسب مع احتياجات المجتمع الحقيقية

ويستمر عبث المنظمات الإنسانية بنفس الأدوات و بنفس النهج والمنوال بمقدرات وحصة المجتمع من الدعم الدولي لتلبية الاحتياجات الأساسية في مجالات التغذية والتطوير ودعم مؤسسات الدولة والصحة والنظافة والصرف الصحي وتمكين الشباب ..إلخ.

تعيد "الأيام" نشر التحفظات عن أداء المنظمات الدولية العاملة في البلاد وتشدد على أهمية تدارك الوضع الكارثي كون الدعم الدولي المرصود لليمن لهذا العام لا يسمح بمزيد من العبث والعشوائية وفي حال استمر هذا الوضع لن يكون هناك أي أثر يُذكر في المساهمة في تحقيق الاستقرار المعيشي والاقتصادي واستعادة الخدمات الأساسية، وسوف يذهب المليار والمائتين مليون دولار كما ذهبت سابقتها نفقات إدارية وصرفيات لتغطية السفر ووسائل الترفيه لموظفي المنظمات الدولية وحصونهم المنيعة. ومع كل هذا تأتي المنظمات بمشاريع وأنشطة جاهزة لا تمت للاحتياج الحقيقي ولا تراعي حساسية وخصوصية المجتمع في كثير من الأحيان مما ساهم بشكل مباشر في تبديد تعهدات المانحين بدون أثر يذكر، يتساءل الكثير لماذا لم تبذل الجهات الحكومية المختصة مزيد من الجهد لإنهاء العبث المستمر في أحد أهم الموارد المتاحة للمجتمع في هذه الظروف، والتي هي بالأساس مِلك لهذا الشعب، وليس للمنظمات الدولية والذي دورها يقتصر على جزئية الشراكة لتنفيذ تعهدات المانحين من خلال تنفيذ مشاريع ذات جدوى حقيقية لتعزيز ودعم قدرات المجتمع في الحصول على أساسيات مقومات الحياة من تدخلات منقذه للحياة إلى مشاريع البنية التحتية ومشاريع التمكين الاقتصادي، من خلال شراكة حقيقية مع الوزارات المشرفة كلا حسب تخصصه. لكن الدراسات الاستقصائية لـ "الأيام"  تشير إلى استفراد المنظمات بتقرير مصير هذه الأموال، دون تنسيق حقيقي مع وزارة التخطيط والتعاون الدولي وفقا لخطة استجابة حكومية لاستيعاب التمويل في أماكنها الصحيحة ليعم نفعها لقطاع أوسع من المجتمع، فيما ارتضت الجهات الحكومية لنفسها هذا الوضع والانبطاح الغير مبرر أمام المنظمات.

هناك الكثير من الأسئلة والأصوات المتصاعدة من أفراد هذا المجتمع ومن هيئات مدنية وجهات رسمية بعاطفة واحباط متناميين عن جدوى واهمية هذه المشاريع التي من خلالها يتم صرف مليارات الدولارات كونها عجزت عن ايجاد تغيير حقيقي يلمسه المواطن في الخدمات الأساسية والبنية التحتية باستثناء المساعدات الغذائية الطارئة لبرنامج الغذاء العالمي. على المسؤولين الحكوميين الإجابة على كل هذه التساؤلات بعد كل هذه السنوات، بل ذهب البعض بالقول إلى أن المنظمات الدولية ساهمت بشكل كبير في إفراغ أجهزة الدولة المتخصصة عن طريق الاستقطاب للكوادر في برامج استشارات مدفوعة الأجر بالعملة الصعبة خارج الإطار المؤسسي، والجدير بالذكر أن من مسؤوليات المنظمات الدولية المساهمة في تعزيز  وتأهيل وتمكين الجهاز المؤسسي للبلد، بحيث يكون قادرا على استيعاب المنح الدولية وتنفيذها من خلال أجهزة الدولة لضمان تنفيذها بأقل التكاليف واستدامتها، ولكن للأسف ما يحصل هو العكس تماما، وباتت أجهزة الدولة شبه مشلولة مما أدى إلى توفير بيئة مثالية للعبث من قبل بعض المنظمات الدولية بشكل مباشر أو غير مباشر.

بات من الصعب علينا أن نتذكر الوقت الذي تواجدت فيه المنظمات الدولية بهذا العدد الهائل  - تتحفظ "الأيام" عن كتابة العدد - لكنه صادم جدا ومع كل هذا مازال إصلاح الخدمات الأساسية الذي تحتاج إلى مساهمة جزئية من هذه المنظمات مستعصيا على الحل، بل زاد تعقيدا بسبب عشوائية مشاريع المنظمات للاستجابة للاحتياج الفعلي وطبيعة عدم استدامتها رغم المبالغ الكبيرة الذي تصرف لرواتب الخبراء الأجانب لدى هذه المنظمات في الوقت الذي تقف فيه الجهات الحكومية المسؤولة عن المنظمات الدولية والجمعيات المحلية عاجزة تماما عن القيام بدورها، بل وصل الأمر إلى تهميش دورها وعدم التنسيق المسبق معها. كل هذا يحصل ولم يتم تحريك ساكن او عمل إصلاحات للحد من العبث المتزايد.

لا ننكر محاولات التغيير من الجانب الرسمي ولكن أثبتت هذه المحاولات مدى الفجوة بين الجهات الرسمية المشرفة على مشاريع المنظمات وبين سلطة القيادة العليا حيث استجابت الأخيرة بتعزيز وتشكيل كيانات جديدة أو توسيع صلاحيات وحدات غير مخولة بتنسيق وإدارة العمل الإنساني وعليه لم تشكل أي إضافة في تحسين الأداء وإعادة مسار المنظمات إلى مكانه الطبيعي، بل شكلت أعباءً إضافية وزيادة في النفقات الحكومية، وكان المفترض استثمار هذا الجهد والمخصصات المصاحبة لتمكين أجهزة الدولة الرسمية والوحدات المتخصصة في الوزارات لكي تقوم بعملها بشكل أفضل كون بعض المنظمات الدولية والمحلية تستغل هذا التشتت وانعدام تنسيق الجهات الرسمية فيما بينها لتبرير وتمرير مشاريع غير مجدية ومشبوهة في بعض الأحيان.

رصدت "الأيام" خلال الخمس السنوات الماضية الكثير من هذه التجاوزات وتعيد التركيز على هذا الملف لتطرح المجلس الرئاسي أمام أحد أهم القضايا التي غابت عن طاولة اجتماعات المجلس خلال العام الأول من تأسيسه، كون الملف الإنساني واستيعاب المنح المخصصة لليمن يحتاج إلى موقف جاد وعاجل من تنسيق للجهود الرسمية وتعزيز دورها الرقابي واستعادة مكانة الدولة وهيبتها للتمكن من انتشال الوضع مما هو عليه.

تسلط "الأيام" الضوء على بعض مكامن الخلل كي تتضح الصورة أكثر لدى جهات وسلطات القرار.
مالم يعلمه الكثير بأن معظم المشاريع الذي يتم تنفيذها لم تأتِ نتيجة لعمل مسوحات وتقييم حقيقي ميداني للاحتياج من قبل جهات رسمية متخصصة، لكن تأتي جاهزة ويقتصر دور الجهات الرسمية على المراجعة الشكلية ولا تقوم بدور حقيقي في تحديد نوعية النشاط وأماكنه من خلال المشاركة في تطوير مسودات المشاريع.

ولهذا كثير من المشاريع تولد ميته ولا يلمس المجتمع أثرها على الواقع بالنظر إلى المبالغ الكبيرة المرصودة لها والذي يذهب معظمه لتغطية مصروفات إدارية من إيجارات لمكاتب المنظمات وفلل السكن ونفقات السفر وإيجارات السيارات الفارهة والتعاقدات مع مزودي الخدمات لإدارة المقرات. 

نموذج آخر من العبث هو قيام كثير من المنظمات باستهداف مناطق محددة مرارا وتكرارا لمشاريعها، فقط لسهولة الوصول إليها وقربها من مكتب المنظمة متجاهلة أهم المبادئ الإنسانية والذي يقدم الاحتياج على التساهيل اللوجستية.  

تمكين المرأة الوهمي

تتساءل الكثير من الفتيات والقيادات النسوية عن ماهية التقارير المتزايدة عن إشراك وتمكين المرأة، كونهن لم تلمسن برامج تعزز من قدراتهم، بل يقتصر الأمر على ترشيح ومشاركة قائمة واحدة من الناشطات التي تستحوذ على فرص التمكين ويتم إعادة استهدافهن من مكان إلى آخر، ومن منظمة إلى أخرى بعيدا عن مبدأ الفرص المتساوية لضمان تعزيز قدرات وتمكين قطاع أوسع من الفتيات، كون المنظمات تكتفي بعمل تقارير مصحوبة بقصص نجاح من مخيلة القائمين على هذه المشاريع ورفع واقع غير حقيقي للجهات الممولة لتبرير المصروفات بعيدا كل البعد عن الأثر الفعلي والتغيير في مهارات وقدرات الفتيات.

ولا تقل أهمية دور السلطة الكبيرة الذي تحظى بها هذه المنظمات وتمارسها في تكريس العبث في المشاريع المخصصة لهذا البلد وعلى وجه التحديد المحافظات المحررة.  فعلا سبيل المثال تؤكد مصادر حكومية متطابقة بعدم رفع تقارير تفصيلية عن المشاريع المنفذة وميزانيتها وإقرارات الصرف المصاحبة وتكتفي بتقرير موجز غير مفصل بنود المصروفات وجهات التعاقد لا تستطيع الجهات الرسمية المشرفة تحديد مدى صحتها ومكامن الانحراف ومطابقتها لاتفاقيات المشروع.

مشاريع وهمية وغياب الرقابة

لا توجد إدارات متخصصة في الجانب الحكومي تتولى عملية الإشراف والرقابة على عمل المنظمات، لأن من يتولونها هم أشخاص ليسوا متخصصين، بينما في صنعاء لا يتم التوقيع على أي مشروع إلا بعد دراسته والتأكد فعلا من النفقات التشغيلية بحيث لا تزيد عن 35 % ويطالبوا المنظمات والجهة المانحة على الالتزام، بينما هنا في عدن لا يطلبون اتفاقية من المنظمات على التزام بـ 35 %  كنسبة الموازنة التشغيلية الحقيقية، لهذا يمكن لأي من المنظمات في عدن أن تأتي بأي ميزانية ويتم التوقيع عليها ليمكنهم من التلاعب بالمبالغ في الداخل أو يتم تحويلها إلى الخارج أو التصرف بها أو تحتسب لهم بدل سفريات لقضاء الإجازات أو يستخدمونها في تمديد عقود أو توظيف أناس.

ومن الفروق الأخرى، في صنعاء عندما تنتهي مشاريع المنظمات يطلبون منها التصفية لمطابقة عقد التوقيع، بينما هذه الجزئية غير موجودة في عدن، فتقارير المنظمات في عدن يختلقون فيها قصص نجاح لمشروعات وهمية وفي النهاية لا توجد تصفية حقيقية، بمعنى أنه بإمكانهم أن ينفذوا نفس المشروع ويتم التوقيع عليه ولا توجد رقابة، سببه عدم وجود إدارات متخصصة، لهذا نجد في الفترة الأخيرة يزداد العبث في هذا الجانب.

جانب المشاريع

من المعروف أن الجانب الحكومي هو من يطلب حاجته من المشاريع ويقدم دراسة عبر وزارة التخطيط، مثلا في الجانب الصحي أو التعليمي أو الخدماتي، لكن نجد أن وزارة التخطيط ليست فعالة بحيث تفرض احتياجاتها الحقيقية من المنظمات، هنا تأتي المنظمات بمشاريع جاهزة دون مراعاة احتياجات المجتمع الحقيقية.

الشي الأخر بدلا من أن تستهدف المنظمات بتقديم مشاريعها للمستفيدين بمعونات حقيقية مباشرة، إلا أننا نجد في ان ميزانياتها عالية في بنود نفقاتها التشغيلية مقارنة مع ما تقدمه من مشاريع على الواقع، بينما الواقع في حاجة إلى مشاريع خدمية أساسية عدة كالبنية التحتية مثل المياه والتعليم والصرف الصحي والكهرباء.​



> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى