الدراما التليفزيونية..من العناوين الكبيرة إلى التسلية والتحكم بثقافة الناس

> زيد قطريب

> سجَّلت الدراما الكثيرَ من الأهداف في مرمى إخوتها من الفنون الأخرى. ورغم أن صافرة الحكم لم تعلن نهاية المباراة بعد، فإن فارق النقاط ونسبة استحواذ المشاهدين، يوحيان بحسم المباراة لصالحها، إذا لم تحصل معجزة تقلب النتيجة في الوقت بدل الضائع.

ويتفق النقاد على أن معظم تأثير الدراما في الثقافة والسلوك اليوم، لا يشبه التأثير الذي مارسته في بداية انطلاقتها منتصف القرن الماضي، بعد أن تغير مفهوم الالتزام، وتعددت القنوات والجهات المنتجة التي لكل منها رأيه في الثقافة والوعي.

ويقول الناقد المصري عصام زكريا، لـ”كيوبوست" : "الدراما تدخل كل البيوت بلا استئذان؛ وبالتالي من الطبيعي أن يكون لها الكثير من التأثير في السلوكيات والمفاهيم بغض النظر عن ماهية هذا التأثير، خصوصا أن الناس باتوا ينفرون من أسلوب الوعظ المباشر الذي يتبع في الأساليب الفنية غير الدرامية".

ورغم أن الدراما تمتلك حظوظا أكثر من غيرها في التأثير والانتشار، فإن التأثيرات السلبية التي تركتها خلال السنوات الأخيرة، من حيث ميلها للسطحية والإغراق في “الأكشن” والترفيه وسواها من العناوين غير التوعوية، تثير التساؤل حول الأسباب التي جعلتها تلبس هذا الدور.

يتهم الكاتب السوري سامر محـمد إسماعيل، الدراما بدور سلبي في الوعي والمفاهيم في هذه المرحلة. ويقول لـ”كيوبوست”:

"اليوم، هناك تنميط واتجاه لأعمال البطل الواحد (الهيرو)، فنحن نشاهد أعمالا مكتوبة لنجوم بعينهم، وهذا ما يطرح تنميطا جديدا للشخصية الرئيسية المتعارف عليها بالبطل. هناك نمذجة وتصدير نماذج محددة من الأبطال، لتتم محاكاتهم من قِبل الشباب. والمتداول اليوم هو دراما المافيا والأجنحة العسكرية للعائلات، وهذا ما يراد لهذه المنطقة أن تكون دائما عرضة للتحزبات والعائلات والمافيا بعيداً عن مفهوم الدولة بالمعنى السياسي لا بالمعنى السلطوي".

ومقارنةً مع فترات انطلاق الدراما العربية التي ترافقت مع تأسيس التليفزيونات في الخمسينيات والستينيات، فإن العناوين التي حضرت حينها كانت تتجه نحو اللون الوطني والاجتماعي، مع وجود قضية كبيرة في كل عمل. لكن مع التطور التكنولوجي وازدياد القنوات ودخول القطاع الخاص، اختلفت الصورة كثيرا.

يقول الناقد المصري عصام زكريا: "كان معظم التليفزيونات يتبع الدولة أو مؤسسات كبيرة، وبالتالي كانت التوعية مطروحة دائما، وهي إحدى الوظائف الأساسية، لكن مع الوقت صار التركيز أكثر على العناوين العامة؛ مثل الحرية والإنسانية والترابط الأسري، مع ملاحظة وجود مسلسلات أكشن ورعب وكوميديا، يغيب عنها دور التوعية المطلوب".

ورغم أن طموحات الدراما في التأثير الثقافي تعتبر مشروعة من حيث المبدأ، فإن دخولها في هاجس الربح وآليات السوق، جعلها تخسر الكثير مما اشتُهرت به على صعيد التنوير؛ خصوصا في التسعينيات وبداية الألفية الثانية. حيث عُرف عصر الدراما المؤثرة واشتُهرت فيه أعمال سورية ومصرية كثيرة؛ مثل “هجرة القلوب إلى القلوب” و”أرابيسك” و”أيام شامية” و”لن أعيش في جلباب أبي” و”مرايا” و”التغريبة الفلسطينية”.. وغيرها كثير.

ويرى الناقد المصري محـمد عبدالرحمن، أن تأثير الدراما يعتبر طبيعياً؛ فهي أحد روافد الثقافة. ويضيف لـ”كيوبوست”: “ما يعيب هذا التأثير هو المنحى السلبي الذي يأخذه، مثل انتشار العنف والتنمر وتقليد النجوم في السلوكيات الشكلية؛ كاللباس واستخدام العبارات النابية. مع العلم أن الشباب مثلاً، سبق أن قلدوا قَصَّة شعر محمود عبدالعزيز في (رأفت الهجان) في فترات سابقة؛ لكنها كانت ظاهرة إيجابية مختلفة عما جرى لاحقاً من تقليد”.

الكاتب سامر محـمد إسماعيل، يربط تلك القضية بالبنية الاجتماعية، ويقول لـ”كيوبوست”: “دمشق والقاهرة كانتا تمتلكان بنية اجتماعية قوية، واليوم هذه البنية غائبة أو مفككة؛ وهو ما أثر على الدراما، فعندما تتفكك هذه البنية بسبب الحروب والفساد والإرهاب، فلا بد سنحصل على دراما تفرضها قوانين السوق”.

وتعرضت شركات الإنتاج خلال السنوات الماضية إلى هجوم كبير من النقاد؛ بسبب نوعية الأعمال التي قالوا إنها تراجعت. كما قال البعض إن دخول أصحاب رؤوس المال غير الاختصاصيين إلى الإنتاج الدرامي، جعل هذا الفن يخضع لقوانين السوق وليس للمعايير الفنية والثقافية.

ويقول المخرج السوري مأمون الخطيب: “من وظائف الفن نشر الوعي والارتقاء به؛ لكن الدراما لا تفعل ذلك الآن، بسبب احتكارها من قِبل شركات إنتاج لها أهداف مغايرة لأهداف المعرفة والثقافة. حتى إن الفنان صاحب الهم الثقافي مشغول اليوم بالبحث عن فرصة عمل للظهور والانتشار؛ ولو كان الأمر على حساب الهدف الأسمى للثقافة”.

وحول فائدة الدراما في التوثيق وتعريف الناس بالمعلومات التاريخية، يرى المخرج مأمون الخطيب، أن هذه المهمة لا يمكن الوثوق بها في ظل الوضع الحالي للدراما. ويضيف:

"التاريخ عبر الدراما، يأتي منقوصا لأنه يعبر عن وجهة نظر الجهة المنتجة.. والمشاهد يتلقى ذلك كحقيقة مطلقة بسبب قلة المعرفة والثقافة والقراءة عن الموضوع التاريخي.. لا أرى أفقاً واضحاً للوثوق بما تقدمه الدراما (إلا في ما ندر)؛ لأن هدف شركات الدراما بالعموم هو الربح وتحقيق الشهرة على حساب التوثيق الحقيقي للتاريخ والحدث".

ويحمِّل الناقد المصري محـمد عبدالرحمن، شركات الإنتاج موضوعَ استغلال أسماء النجوم من أجل الحصول على نسبة كبيرة من الإعجابات والمتابعات؛ الأمر الذي جعل هذا الفن يدخل في مفهوم السوق وليس الانشغال بأثر ثقافي أو توعوي. يقول عبدالرحمن:

"اليوم هناك تجارة بالفنانين المشهورين، ونرى أن كثيراً من السلع تحاول ربط نفسها بالفنانين وتستخدم حساباتهم من أجل الوصول إلى أكبر عدد من المتابعين. بالتأكيد، الدراما ستظل رافداً من روافد الثقافة في المجتمع كما قُلت؛ لكن المشكلة في التأثير السلبي، ومثال ذلك تسويق معجم من الشتائم في المسلسلات، إضافة إلى زيادة العنف والتنمر”.

ويربط عبدالرحمن ما يجري على صعيد دور الدراما في الثقافة، بغياب عادة القراءة وتراجع الاهتمام بالكتب. يقول:

"القراءة أصبحت نادرة جدا، فالأجيال الجديدة تتعاطى مع الدراما بشكل أكبر وتقلدها بشكل أعمى، فالكثير من الشباب يقلدون أغنيات الراب مثلاً، مع أنهم لا يفهمون ألفاظها، وهذا الأمر ينطبق على المسلسلات وما يقدمه النجوم على التيك توك”.

ويصر الكاتب سامر محـمد إسماعيل على ربط كل الفنون بالبنية الاجتماعية، ويقول: “كل شيء مرهون بالبنية الاجتماعية؛ غياب البنية الاجتماعية السليمة يعني غياب الدراما السليمة".

يتفق الجميع على انتعاش التأثير السلبي للدراما خلال السنوات السابقة، لكن مع تصاعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وحضور تليفزيون اليوتيوب، بات من الصعب مجابهة الدراما بالأدوات القديمة للفنون الأخرى؛ مثل الشعر والرواية والموسيقى والمسرح والسينما. وإذا ما نظرنا إلى بنية المجتمعات العربية وما تتعرض إليه من ضغوط اقتصادية وحروب ومواجهات، ستبدو الدراما مجرد انعكاس لمعاناة هذا الواقع المر!

كيوبوست

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى