تضييق الخناق على الإخوان في الكويت يعزز عزلتهم في المنطقة

> هشام النجار:

> ​أطفأت القرارات التي اتخذها أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أخيرا بحل البرلمان وتعليق العمل ببعض مواد الدستور لنحو أربع سنوات آخر وهج للإخوان في المنطقة، وبدت امتدادًا لإجراءات عزل الجماعة في عدد من الدول العربية انطلاقًا من دوافع متشابهة تقريبا.

وأقفلت محطة أخرى للإخوان بعد محطتي مصر وتونس، وتواجه عثرات كبيرة في دول أخرى لوقف توظيف الديمقراطية لفرض وصاية على المجتمع والسيطرة على مفاصل الحكم وصلاحيات القيادة السياسية، وهي أسباب دفعت إلى التغيير عبر عزل ما عرف بـ”تيار الإسلام السياسي” طوال العقد الماضي وصولًا إلى محطة الدولة الخليجية الغنية التي سعى الإخوان بذريعة الديمقراطية إلى تحويلها إلى إمارة شبه إسلامية.

ووضعت قرارات أمير الكويت مصالح البلاد العليا في مقدمة الأولويات من دون النظر إلى بعض الانتقادات الشكلية من قبل مسؤولين في الغرب، وتتعلق بمزاعم الخوف على مستقبل التجربة الديمقراطية في الكويت، حيث ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن القرارات الأميرية “أثارت مخاوف من أنها قد تمثل تحركًا نحو تفكيك أحد الأنظمة السياسية شبه الديمقراطية في الشرق الأوسط”.

وبدت بعض الإشارات الغربية بالتخويف من انتكاسة جديدة للديمقراطية في المنطقة نتيجة تعليق البرلمان، كأنها أكثر تفهّما من رؤية جهات عديدة في الكويت والمنطقة لإجراءات باتت بحكم التجارب العربية إنقاذية، في مواجهة خطر محدق تسبب في شلل سياسي وتعطل مسار التنمية لحساب قوى أيديولوجية مرتبطة بالخارج عبر التلويح بفزاعة الديمقراطية.

ويعد توجه الشيخ مشعل الصباح تحولًا باتجاه مرحلة تغيير حقيقي في دولة عانت طويلًا من أطماع جماعة الإخوان ومساعيها لشل مؤسسات الكويت والتمهيد للسيطرة على الحكم باستغلال سلاح الديمقراطية ولو جرى تدمير الدولة، وكادت الاضطرابات السياسية تتزايد.

وإذا كانت التجربة المصرية بدأت من الشارع في يونيو 2013 ليتبنى الجيش ومؤسسات الدولة مطالب الجماهير بعزل جماعة الإخوان من الحكم، فإن قرارات أمير الكويت عبّرت عن رغبة شريحة كبيرة ممن سئموا ممارسات الإخوان والسلفيين وتحالفاتهما المريبة مع دوائر الفساد وبعض مكونات القبائل، وارتهنت البلاد لحساب أجندات جرى توظيفها في صراعات بين دوائر نفوذ من داخل الأسرة الحاكمة وخارجها.

وقال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد إن جماعة الإخوان وفقًا لما جرى في الكويت تفقد أحد أقوى أضلاع دعمها في الخليج بعد قطر، ما يُعدّ تحولا يكرّس طي صفحة الإسلام السياسي في المنطقة العربية، ويدشن لمرحلة عنوانها إعلاء المصالح الوطنية عبر تحجيم الأذرع الأيديولوجية وكبح التدخلات الخارجية.

وأشار في تصريح خاص لـ”العرب” إلى أن المشهد العربي ينقسم إلى قسمين. أحدهما يعزل الإخوان بإرادة فوقية ومؤسساتية وشعبية بالتناوب كما جرى في مصر وتونس والمغرب، وآخر تكافح فيه الجماعة بالطرق العنيفة وبأشكال ووسائل مختلفة للبقاء في المشهد على طريقة “أنا أو الفوضى” كما هو حاصل في السودان وليبيا.

وتستطيع الحكومة الجديدة في الكويت المضي في النهج الإصلاحي الذي أعلنت عنه السلطات ويتضمن فرض ضرائب وتقليص المنح والامتيازات الممنوحة للمواطنين بمعزل عن مصالح نواب البرلمان المنتمين للإخوان الذين تسببوا في أعباء مالية إضافية للدولة بذريعة المطالب الاجتماعية.

وأغلق أمير البلاد الباب أمام صراع الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة مُظهرًا قيادة موحدة تعيق محاولات كل جناح لاقتناص منصب أمير البلاد.

وظل هذا المنصب مطمعًا لجماعة الإخوان التي تحوز الأغلبية في مجلس الأمة تحت اسم الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، ما أعطاها قدرة على الانخراط في صراع بين أجنحة الأسرة الحاكمة، في محاولة ترمي للتحكم في المنصب الأهم الذي يتولاه ولي العهد تلقائيًا عند وفاة الأمير.

وتحولت التجربة المصرية إلى نار تأكل فروع الجماعة في المنطقة، بالنظر إلى ما أثبتته نتائج عزل الإخوان في القاهرة التي ظلت تملك الحد المقبول من الاستقرار والتماسك السياسي والأمني وسط محيط مضطرب ومتصارع في جميع الاتجاهات، علاوة على ما ألهمته من جهة أن الحفاظ على هوية المجتمع والتصدي لأدلجته وصبغه بمناهج سلفية وإخوانية ومنع التدخلات الخارجية لا يتحقق إلا بتحجيم نفوذ الإسلام السياسي.

ولم تستوعب جماعة الإخوان في الكويت الدرس المصري وما ينطوي عليه من دلالات سياسية وأمنية، بل سعت إلى شل مؤسسات الدولة والسطو على صلاحيات القيادة السياسية عبر نفوذها البرلماني واختراقها لدوائر حاكمة، ومحاولة فرض نمط متشدد على المجتمع والتمهيد لإقامة شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما حاولت مرارًا إلغاء حفلات موسيقية، والفصل بين الجنسين في الأماكن العامة.

وفي الوقت الذي تتجه فيه السعودية والإمارات نحو العصرنة والحداثة، دأبت جماعة الإخوان في الكويت على جر الدولة لتصبح نموذجا أقرب إلى قندهار في أفغانستان تحت حكم حركة طالبان المتشددة.

وحمت القرارات الأخيرة الكويت من مناكفات شعبوية في ملفات مهمة مثل الصراع في فلسطين، ما يتيح اتخاذ مواقف متوازنة تخدم فعليًا المصالح العربية والفلسطينية وتجعل البلاد أكثر قدرة على التفاعل الإقليمي بمعزل عن مزايدات الإخوان وشعاراتهم في معاداة إسرائيل.

ويعزز تضييق الخناق على الجماعة في الكويت عزلتها بالمنطقة، حيث ظهرت في مختلف التجارب كعامل إعاقة وتعطيل وانقسام، وتحييدها وتقويض دورها السياسي والاجتماعي هو السبيل لفتح الأبواب لتمكين الدولة من تنفيذ البرامج التنموية الواعدة ومجابهة التحديات المتعددة.

كما يحرم تحجيم نفوذ الجماعة في الكويت التنظيم الدولي للإخوان من مصدر دعم رئيسي، إذ تجاوزت أجندة نوابها في مجلس الأمة حدود الكويت ومثلوا غطاءً سياسيًا واقتصاديًا لأفرع التنظيم حول العالم، ما يلفت إلى أن الخطوة التي قام بها الأمير مشعل لها أبعاد خارجية مهمة، تُضاف إلى النكسات والخسائر التي تكبدتها الجماعة في مصر وتونس والمغرب.

ويبدو أن الإخوان في الكويت ظنوا أنهم في مأمن وفي طريقهم لتحقيق أطماعهم عبر اللعب على تصارع الأجنحة وفرضية الاتكاء عليهم للتغلب على المنافسين، وكشفت التجارب أنها كانت مرحلة للتعرف على موازين القوى تمهيدًا لاتخاذ إجراءات تصحيحية تحول دون تقوية المتشددين الإسلاميين.

وثبت أن مسايرة الأمير مشعل في بداية عهده للإسلاميين لم تكن كما ظنوا للتغلب على الأجنحة المنافسة له، إنما هي تمهيد لإجراءات مفصلية تسمح بالحفاظ على هوية المجتمع وأركان الحكم وتماسك أسرة آل الصباح نفسها وتعزيز مستقبلها في السلطة.

وكرر فرع جماعة الإخوان في الكويت ما فعلته الجماعة الأم في مصر عندما لم تتعامل بواقعية وجدية مع إشارات الجيش المصري المتكررة ومطالباته في أكثر من بيان للإذعان لمطالب الشعب المشروعة وإعلاء المصالح العليا للبلاد وعدم تغليب مصالح الجماعات والأحزاب الضيقة.

ولم تذعن أو تنتبه الجماعة لإشارات أمير البلاد المبكرة أو تتدارك الأمر ومضت في خطط تعطيلها للمسارين السياسي والاقتصادي، ولم تراجع مواقفها أو تنظر إلى ممارساتها بعين النقد.

وباتت خيارات جماعة الإخوان محدودة في ظل تصميم الدول المستقرة على تحجيم نفوذها وتهميش نشاطها حرصًا على مصالحها العليا ونسيجها المجتمعي وتفادي الشعبوية والمزايدات المتعلقة بملفات حساسة لا تحتمل توظيفها في مصالح ضيقة مثل ملف الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

ومن المستبعد أن تلجأ جماعة الإخوان إلى خيار العنف للتعامل مع التطورات في الكويت، حيث ستكون ردة الفعل من قبل مؤسسات الدولة والشرائح المجتمعية قاسية ومدمرة لمستقبل تيار الإسلام السياسي برمته، وهو ما وضح في ثنايا كلمة الأمير مشعل.

وانعكس التغيير المتتالي في المنطقة العربية ضد الجماعة وفي اتجاه عزلها وتحجيم نشاطها على أوضاعها ونفوذها في الدول الأوروبية، فقد أصبحت دول غربية عديدة تتوجس من مشاريع الجماعة المتدرجة التي تعتمد على التسرب الناعم لبعض المؤسسات الرسمية وصولًا إلى محاولة الهيمنة الكاملة على مقاليد الحكم.
العرب اللندينة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى