إثيوبيا تقابل ضجيج الصومال بالصمت

> مقديشو «الأيام»:

>
​تهدد الصومال باتخاذ اجراءات تصعيدية جديدة بحق إثيوبيا، فيما لا تبدي الأخيرة أي ردود فعل وتفضل سياسة ضبط النفس، حيث تدرك أن المغزى من التصعيد هو ابتزازها من أجل التراجع عن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال.

وتشهد العلاقة بين الحكومة المركزية في الصومال وإثيوبيا توترًا منذ يناير الماضي على خلفية مذكرة تفاهم أبرمتها أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال، الذي أعلن في تسعينيات القرن الماضي عن قرار أحادي بالاستقلال بعد عقود من الوحدة المشوهة.

وتقضي مذكرة التفاهم بتأجير واجهة بحرية بطول 20 كيلومترًا لمدة 50 عامًا لإثيوبيا التي تريد إنشاء قاعدة بحرية وميناء تجاري على الساحل. وقالت السلطات في أرض الصومال إنه في مقابل هذا الوصول إلى البحر، ستصبح إثيوبيا أول دولة تعترف بها رسميا.

وأثارت مذكرة التفاهم غضب الحكومة المركزية الصومالية التي اعتبرتها غير قانونية، وتمس بسيادة البلاد. وأعلنت مقديشو على مدار الأشهر الماضية عن سلسلة من الإجراءات بينها طرد السفير الإثيوبي، والأمر بإغلاق قنصليتي إثيوبيا في أرض الصومال وبونتلاند في أبريل الماضي.

ترافق ذلك مع تصريحات لمسؤولين صوماليين لا تخلو من تهديد ووعيد لأديس أبابا.

وفي خطوة تصعيدية جديدة، هدّدت هيئة الطيران المدني الصومالية، الأربعاء، بتعليق كل رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى البلاد.

وتسيّر الخطوط الجوية الإثيوبية رحلات إلى هرجيسا، كبرى مدن أرض الصومال، وإلى مقديشو، عاصمة الصومال، وأربع مدن كبرى في أقاليم صومالية.

وقالت هيئة الطيران المدني الصومالية إن خطوط الطيران الإثيوبية المملوكة للدولة والتي تعد أكبر شركة طيران في أفريقيا، لم تستجب لشكاوى سابقة على صلة بـ”مسائل سيادية" وهي بصدد"إزالة ما يؤشر لوجهات صومالية، والإبقاء فقط على رموز المطارات".

وجاء في رسالة للهيئة أوردها الإعلام الرسمي أن "هذا الإجراء يفاقم المخاوف الأصلية ويقوّض سيادة الصومال".

وأشارت الهيئة إلى أنه في حال بقيت هذه المسألة دون حل بحلول 23 أغسطس "لن يكون لديها خيار آخر سوى تعليق كل رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية إلى الصومال اعتبارا من ذلك التاريخ".
وأضاف البيان أن "أي تكرار في المستقبل، على غرار عدم تحديد الوجهات في الصومال بشكل صحيح، سيؤدي إلى تعليق من دون سابق إنذار".

وحاليا يدرج الموقع الإلكتروني للخطوط الجوية الإثيوبية هرجيسا دون الإشارة إلى البلد الواقعة فيه، كما أن البحث عن أرض الصومال في محرك الموقع لا يفضي إلى نتائج، في حين يفضي البحث عن مقديشو إلى أنها تقع في الصومال.

ولفت البيان إلى أن الهيئة "تلقّت شكاوى متزايدة من مواطنين صوماليين بشأن تجربتهم للسفر مع الخطوط الجوية الإثيوبية".

ويرى مراقبون أن التهديد الصادر عن هيئة الطيران المدني الصومالية، يندرج في سياق المسار التصعيدي الذي تتبناه مقديشو في مواجهة أديس أبابا، والذي يخشى من أن يتحول إلى أزمة مستمرة تهدد استقرار منطقة القرن الأفريقي.

ويشير المراقبون إلى أن الصومال تخوض سياسة الضغوط القصوى من أجل الضغط على إديس أبابا وإجبارها على التراجع على المذكرة الموقعة، وهي تراهن في مسارها على دعم عدد من الدول الإقليمية في مقدمتهم مصر وتركيا.

ويستبعد المراقبون أن تكون هناك رغبة صومالية في الدخول في مواجهة حقيقية مع إثيوبيا، حيث أن البلد يعاني حالة من الضعف على الصعيد العسكري، نتيجة الأزمات الداخلية والصراع الذي يخوضه مع حركة الشباب الجهادية.

ويوضح المراقبون أن هدف الصومال هو تكثيف الضغط على إثيوبيا قبل المفاوضات المرتقبة الشهر المقبل.

ومن المقرر أن تعقد جولة محادثات ثالثة بين مقديشو وأديس أبابا في السابع عشر من سبتمبر المقبل بعد انتهاء الجولة الثانية التي عقدت في العاصمة التركية في وقت سابق من الشهر الجاري دون أن تسفر عن نتيجة.
وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود السبت إن “إثيوبيا ترفض الاعتراف بالصومال دولةً مجاورة ذات سيادة”.

وأضاف شيخ محمود أنه ما دامت إثيوبيا “لا تعترف بسيادة الصومال، فلن نتمكن من الحديث عن الوصول إلى البحر أو أي شيء آخر”.

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تحدث في أعقاب الجولة الثانية من المباحثات الإثيوبية – الصومالية عن إحراز “تقدم ملحوظ”.

وتعاني إثيوبيا التي تعد أكبر بلد في أفريقيا من حيث الكثافة السكانية من غياب منفذ لها على البحر بعد استقلال أريتريا عنها.

وترى أديس أبابا أن مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال من شأنه أن يحقق لها الهدف المنشود، ويعيد مجدها السابق، وبالتالي فإن التخلي عن المذكرة سيكون بالنسبة لها خسارة كبرى.

وكانت إثيوبيا بميناءيها مصوع وعصب تمثل قوة بحرية في المنطقة، ولكنها فقدت الميناءين وكل ساحلها، بعد انفصال أريتريا عنها.

وأصبحت إثيوبيا، الواقعة في شرق أفريقيا، منذ ذلك الحين أكبر دولة حبيسة في العالم من حيث عدد السكان، الذي يتجاوز 120 مليون نسمة، بعد استقلال إريتريا عام 1991، وانفصالها نهائيا في عام 1993، عقب حرب بينهما تفجرت بينهما نتيجة الخلاف على ملكية منطقتي بادمبي وزالامبسا.

ويصر رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في الحصول على منفذ بحري وميناء في البحر الأحمر ليخرج بلده من سجنه الجغرافي، ويعزز رصيده الشعبي بعدما حققه من إنجازات لعل أبرزها نجاحه في تحويل حلم سد النهضة إلى واقع.

ويقول محللون إن آبي أحمد يفضل حتى الآن سياسة ضبط النفس، في التعاطي مع الأزمة القائمة مع الصومال، ويعتقد أن الخيار الأفضل هو الهدوء، لكنه في النهاية لن يقبل عملية لي الذراع التي تمارسها مقديشو، وسيمضي قدما في تحويل المذكرة إلى واقع.

وتشكل مذكرة التفاهم أيضا أهمية كبرى بالنسبة لأرض الصومال حيث أنها تدشن لنقلة نوعية في العلاقات مع إثيوبيا، وهذا ستكون له منافع عديدة خاصة منها كسب دعم دولة ذات وزن في المنطقة لتحقيق طموح هرجيسا في الحصول على اعتراف دولي بها كدولة مستقلة.

وتنعم أرض الصومال باستقرار نسبي مقارنة ببقية أنحاء منطقة القرن الأفريقي، ولديها مؤسساتها الخاصة وتطبع عملتها الخاصة وجوازات سفرها. لكن المنطقة فقيرة ومعزولة بسبب عدم وجود أي اعتراف دولي بها، على الرغم من موقعها الإستراتيجي الذي يجعلها بوابة للبحر الأحمر وقناة السويس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى