​"هزيمة الغرب" نبوءة لمؤرخ فرنسي تختبر في أوكرانيا وغزة

> «الأيام» وكالات:

>
يرى تود أن قرار الغرب بأن يوكل قاعدته الصناعية إلى غيره ليس محض سياسة رديئة، لكنه دليل على وجود مشروع لاستغلال بقية العالم.

في خطاب حالة الاتحاد في مارس الماضي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لو أن في هذه القاعة من يتصورون أن بوتين سيتوقف عند أوكرانيا، فإنني أؤكد أنه لن يفعل"، ثم أضاف أن "أوروبا في خطر".

بهذه الإشارة يبدأ كريستوفر كالدويل مقالة استعرض فيها كتابًا صدر حديثًا بالفرنسية بعنوان "هزيمة الغرب"، للمؤرخ وعالم الأنثروبولوجيا المرموق إيمانويل تود. أثار الكتاب عاصفة من الاهتمام في فرنسا، والآن في الصحافة الناطقة بالإنجليزية، فقد حظي الكتاب باهتمام إعلامي يلائم نجمًا، فأجريت مع المؤلف حوارات مطولة في برامج تلفزيونية حققت مئات آلاف المشاهدات. في المقابل وجهت صحيفة "لوموند" انتقادًا لاذعًا للكتاب، معتبرة مؤلفه "متنبئًا مغمض العينين" وأنه "ليس أول المروجين لدعاية الكريملين في فرنسا". وفي المقابل أصر تود أنه مؤرخ يجري تحليلًا طويل الأمد ويرصد اتجاهات بعيدة المدى دونما انحياز أيديولوجي.

ولعل إشارة "المتنبئ الغامض" جديرة بشيء من الإيضاح، بخاصة أنها مدخل ملائم للفرجة على "هزيمة الغرب".

كتب مارك بولونسكي "ذي أرتيكل-6 مارس 2024" أن "إيمانويل تود، البالغ من العمر 72 سنة، هو أحد القلائل الذين تنبأوا بنهاية الاتحاد السوفياتي. ففي مقالة له بعنوان (السقوط الأخير: مقال عن تفكك المجال السوفياتي) نشرت عام 1975 قام بتحليل وفيات الأطفال، ومعدلات الانتحار، والإنتاجية الاقتصادية ومؤشرات أخرى في الاتحاد السوفياتي السابق وخلص إلى أن الركود السوفياتي الطويل سيبلغ ذروته عما قريب بانهياره التام".
  • ليست جديدة
ليست النبوءات بالجديدة والصادقة على إيمانويل تود، وهذا ما يجعل تجاور عبارة من قبيل "هزيمة الغرب" مع اسمه على غلاف كتاب خبرًا سيئًا. ولتود في ما بين النبوءتين الكبريين نبوءات أخرى منها واحدة في كتاب عنوانه "ما بعد الإمبراطورية" صدر عام 2002 متنبئًا بـ"انهيار النظام الأميركي"، وذلك على حد تعبير كريستوفر كالدويل "في ذروة التماسك الوطني بعد الـ11 من سبتمبر وقبل كارثة حرب العراق التي عارضها تود معارضة شرسة". ولعل بوسعنا أن نجد ما يؤكد صدق نبوءة انهيار النظام الأميركي في وقائع كثيرة خلال ربع القرن الأخير من قبيل حربي العراق وأفغانستان وانسحاب أميركا من الأخيرة، ثم من الشرق الأوسط، وصعود الصين واتساع نفوذها، والموقف من روسيا في حرب أوكرانيا، وعدم احترام قوى كثيرة في العالم للعقوبات المفروضة على روسيا، وتضارب تعامل الإدارات مع إيران، وتطول القائمة.

يكتب بولونسكي أن تود يطبق تحليل البيانات مرة أخرى "على روسيا وأوكرانيا والغرب. ويخلص إلى أن روسيا ستنجح في تحقيق أهدافها من الحرب وأن الغرب في طريقه إلى هزيمة لا يكمن سببها الأكبر في الحرب وإنما في (تدمير الغرب لنفسه)".

حينما ينتقد تود التدخل الأميركي في أوكرانيا فإنه لا يقتصر على الرصد التاريخي لمحاولات توسيع الناتو، وأيديولوجية نشر الديمقراطية التي تبناها المحافظون الجدد، وشيطنة روسيا على المستوى الرسمي. ولا يكتفي بعرض قدرة روسيا على تحدي العقوبات التي سعت بها الولايات المتحدة إلى تدمير الاقتصاد الروسي، وإبراز افتقار واشنطن إلى النفوذ اللازم لإبقاء لاعبي العالم الاقتصاديين الجدد الضخام ملتزمين بصف العقوبات، ولا حتى إن قاعدة التصنيع في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الحليفة أثبتت أنها غير كافية لإمداد أوكرانيا بالمواد (العسكرية خاصة) اللازمة للثبات في الحرب ناهيكم عن الفوز فيها، لكن تشكك تود أعمق من ذلك بحسب كريستوفر كالدويل "نيويورك تايمز-9 مارس 2024".

يبرز تود انخفاض اقتصاد الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي: فالولايات المتحدة تنتج من السيارات ومن القمح أقل مما كانت تنتج في الثمانينيات، لكنه يبرز أيضًا ما يتعلق بتحولات ثقافية أبعد مدى وأشد عمقًا، يسميها كريستوفر كالدويل بـ"الانحطاط" قائلًا إنه "في مجتمع متقدم رفيع التعليم كمجتمعنا، يطمح كثير للغاية من الناس بحسب ما يرى تود إلى عمل يتعلق بالإدارة والرئاسة. يريدون أن يكونوا ساسة وفنانين ومديرين. وهذا لا يوجب دائمًا تعلم أمور على قدر كبير من التعقيد. وعلى المدى البعيد، أحدث تقدم التعليم انحدارًا تعليميًّا كما كتب تود، وذلك لأنه أفضى إلى اختفاء القيم التي تدعم التعليم".

يقدر تود أن الولايات المتحدة تنتج مهندسين أقل من روسيا، لا قياسًا إلى عدد السكان بل وفقًا للأرقام المطلقة. وهي تعاني "استنزاف عقول داخليًّا" إذ ينجرف شبابها من الوظائف عالية المهارات ذات القيمة المضافة باتجاه وظائف القانون والتمويل ومختلف الوظائف التي تنقل القيمة وبحسب داخل الاقتصاد بل وقد تدمرها في بعض الأحيان.

ويرى تود أن قرار الغرب بأن يوكل قاعدته الصناعية إلى غيره ليس محض سياسة رديئة، لكنه دليل على وجود مشروع لاستغلال بقية العالم، لكن تحقيق الأرباح ليس الأمر الوحيد الذي تفعله أميركا في العالم، فهي أيضًا تنشر قيما ليبرالية كثيرًا ما توصف بأنها حقوق مطلقة للإنسان. وينبه تود، وهو عالم في أنثروبولوجيا العائلات، إلى أن "كثيرًا من القيم التي ينشرها الأميركيون في العالم أقل إطلاقية وعمومية مما يتصور الأميركيون".

فهياكل الأسر الأنجلو أميركية على سبيل المثال أقل نزوعًا إلى البطريركية منها في أي مكان آخر في العالم، كما أن الولايات المتحدة تبنت في طور تحديثها نموذجًا للجنس والجندر لا يتوافق جيدًا مع الثقافات التقليدية (كالهندية مثلًا) والبنى الحديثة الأميل إلى البطريركية (كما في روسيا مثلًا). ورغم أن تود لا ينطلق من أرضية أخلاقية، لكنه يصر أن الثقافات التقليدية لديها تخوف كبير من نزعات الغرب التقدمية وقد تقاوم التحالف في السياسة الخارجية مع من يتبنونها، مثلما تسبب تبني الاتحاد السوفياتي رسميًّا للإلحاد في إفساد علاقاته بشعوب كثيرة كان يمكن لولا ذلك أن تكون على أتم الاستعداد لتقبل الشيوعية خلال حقبة الحرب الباردة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى